لقد
ظلت الأكاذيب الشائعة تمزج بقالب علمي لإقناع الناس بوجود علم اسمه علم
التنجيم طيلة قرون طويلة، حتى جاء القرن العشرين ليضع الأساس العلمي
الصحيح لعلم الفلك.....
يقول
أحد الخبراء إن ملايين الدولارات تُصرف على برامج التنجيم والتنبؤ بالغيب
وتحليل الشخصية وعرفة المستقبل من خلال ما يسمى الأبراج، وملايين أخرى
يتكبدها الناس نتيجة تصديقهم لهذه الأكاذيب. وقد يظهر أحياناً من يسمي
نفسه "عالم فلك" ويحاول أن يقنعنا بتأثير النجوم باعتبار أن هذه النجوم
تبث أشعة تخترق جو الأرض وتؤثر على البشر كل حسب تاريخ مولده
لقد
دارت وتدور كل يوم أحاديث كثيرة عن التنجيم والأبراج ومحاولة التنبؤ
بالمستقبل الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. فالتنجيم هو عمل يحاول
من خلاله المنجمون أن يخبروا الناس بمستقبلهم ويدعون أنهم يعلمون الغيب.
ويستعينون ببعض الكواكب والنجوم لإقناع الناس بصدق نبوآتهم. إنهم يدعون أن
هذه النجوم والأبراج تؤثر في سلوك البشر وتحدد مستقبلهم، فماذا يقول العلم
الحديث في هذا الشأن؟
يحاول
المنجمون رسم صور توحي بأنهم يتحدثون على أساس علمي ولكن الحقيقة عكس ذلك،
وربما نرى المشاكل الكثيرة التي تحدث اليوم بسبب اللجوء إلى الدجالين،
وكثير من الناس أصيبوا بالإحباط وخسارة الأموال وكسبوا السيئات نتيجة
لجوئهم إلى ما نهرى الله ورسوله عنه.
معجزة نبوية
لقد
بُعث الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم في زمن طغت فيه الأساطير
والخرافات، وكان العلم المعترف عليه وقتها هو علم الكهان والعرافين
والمنجمين، وقد كان المنجمون في ذلك الزمن أشبه بوكالات الأنباء التي تبث
المعلومات الموثوقة!
ولكن
النبي الأعظم الذي بعثه الله رحمة للعالمين، صحّح المعتقدات وأنار الطريق
ووضع الأساس العلمي للبحث، فلم يعترف بكل هذه الشعوذات بل واعتبر اللجوء
إليها كفراً، لذلك فقد نهى البيان النبوي الشريف عن كل أعمال التنجيم حتى
إن الرسول صلّى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) [رواه مسلم].
وهنا
السؤال لأولئك الذين يدّعون أن النبي كان يطلب الشهرة والمجد والمال: لو
كان محمد صلّى الله عليه وسلم ليس رسولاً من عند الله لكان الأجدر به أن
يقرَّ قومه على عاداتهم من التنجيم والأساطير والخرافات ويستخدمها
لمصلحته، ولكنه نهى عن كل أنواع التنبؤ بالغيب الذي لا يعلمه إلا الله
تعالى، بل إن الله أمره أن يبلغ قومه أنه هو شخصياً ومع أنه رسول، فإنه لا
يعلم المستقبل، بل كل ما جاء به هو وحي من عند الله تعالى، واستمعوا معي
إلى قوله تعالى: (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي
خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي
مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي
الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ) [الأنعام: 50]
التنجيم والأمراض النفسية
لقد
حرّم الإسلام التنجيم والتنبؤات التي لا تقوم على أي أساس علمي، مثل
الأبراج والتنبؤ بالمستقبل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى القائل: (وَمَا
كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ
يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ
وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 179].
وقد
ثبُت علمياً أن هنالك أضرار نفسية جسيمة تسببها كثرة اللجوء إلى مثل هذه
التنبؤات، حتى يصبح الإنسان الذي يؤمن بالأبراج وغيرها قلقاً ومضطرباً
وينتظر النتيجة المتوقعة. ولكن عندما تأتي النتائج بعكس ما أخبره ذلك
المشعوذ فإنه سيُصاب بالإحباط والاكتئاب وهذه أمراض نفسية خطيرة جداً.
بينما
رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي أرسله الله رحمة للعالمين حرص على كل
مؤمن وجعله يرضى بقضاء الله تعالى، وربما نعلم كيف كان الرسول الكريم عليه
الصلاة والسلام يعلم أصحابه الاستخارة كما يعلمهم القرآن.
ومن ضمن دعاء الاستخارة: (اللهم اقدُر لي الخير حيث كان ثم رضني به)
فتأمل هذا الدعاء كم هو مريح للمؤمن، حتى يصبح مطمئن النفس، وخالياً من أي
اضطراب أو خلل. ويخبرنا علماء النفس اليوم بأن السبب الأول لكثير من
الأمراض العصبية والنفسية هو عدم الرضا عن الواقع الذي يعيشه المريض.
انظروا معي إلى هذا النبي الأعظم كيف خاطبه الله بل وأمره أن يخبر الناس بأنه لا يعلم الغيب: (قُلْ
لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ
وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا
مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 188]. وانظروا معي إلى أول صفة أطلقها
القرآن على المتقين في أول آية تتحدث عنهم وهي الإيمان بالغيب: (الَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)، يقول تبارك وتعالى: (ذَلِكَ
الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
يُنْفِقُونَ) [البقرة: 3-4]. ومن الإيمان بالغيب أن تؤمن أنه لا يعلم الغيب إلا الله!
وينبغي أن نتذكر دائماً قول الحق جل وعلا: (وَعِنْدَهُ
مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا
وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا
فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [الأنعام: 59].